سورة غافر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{هُوَ الحى} المتفردُ بالحياةِ الذاتيةِ الحقيقةِ {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذْ لاَ موجودَ يدانيهِ في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه {فادعوه} فاعبدُوه خاصَّةً لاختصاصِ ما يُوجبه به تعالَى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعةَ من الشركِ الجليِّ والخفيِّ {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} أيْ قائلينَ ذلكَ، عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنُهمَا: مَنْ قالَ لا إلهَ إلاَّ الله فليقُلْ علَى أثرِها الحُمد الله ربِّ العالمينَ.
{قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءنِى البينات مِن رَّبّى} من الحججِ والآياتِ أو من الآياتِ لكونِها مؤيدةً لأدلةِ العقلِ منبهةً عليها فإنَّ الآياتِ التنزيليةَ مفسراتٌ للآياتِ التكوينيةِ الآفاقيةِ والأنفُسية. {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} أيْ بأنْ أنقادَ لهُ وأخلصَ له دِيني {هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أيْ في ضمنِ خلقِ آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منه حسبَما مرَّ تحقيقُه مراراً. {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي ثمَّ خلقكُم خلقاً تفصيلياً من نطفة أي منيَ. {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أي أطفالاً. والإفراد لإرادة الجنسِ، أو لإرادةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه. {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} علةٌ ليخرجَكم معطوفةً على علةٍ أُخرى له مناسبةٌ لها كأنَّه قيلَ ثم يُخرجَكُم طِفْلاً لتكبَروا شيئاً فشيئاً ثم لتبلُغوا كمالَكُم في القوةِ والعقلِ وكَذا الكلامُ في قولِه تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً} ويجوزُ عطفُه عَلى لتبلغُوا. وقرئ: {شيخاً} كقولِه تعالَى طِفْلاً {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبلِ الشيخوخةِ بعد بلوغِ الأشدِّ أو قبلَه أيضاً. {وَلِتَبْلُغُواْ} متعلقٌ بفعلٍ مقدرٍ بعدَهُ أي ولتبلغُوا {أَجَلاً مُّسَمًّى} هُو وقتُ الموتِ، أو يومَ القيامةِ يفعلُ ذلكَ {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولكي تعقلُوا ما في ذلكَ من فنونِ الحِكَمِ والعِبر {هُوَ الذى يُحْىِ} الأمواتَ {وَيُمِيتُ} الأحياءَ أو الذي يفعلُ الإحياءَ والإماتةَ {فَإِذَا قضى أَمْراً} أي أرادَ أمراً من الأمورِ {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} من غيرِ توقفٍ على شيءٍ من الأشياءِ أصلاً وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قُدرتِه تعالى في المقدوراتِ عند تعلقِ إرادتِه بها وتصويرٌ لسرعةِ ترتبِ المكوناتِ على تكوينِه من غيرِ أنْ يكونَ هناكَ أمرٌ ومأمورٌ. والفاءُ الأُولَى للدِلالةِ على أنَّ ما بعدَها من نتائج ما قبلها من اختصاصِ الإحياءِ والإماتةِ به سبحانَه.


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون فِى ءايات الله أنى يُصْرَفُونَ} تعجيبٌ من أحوالِهم الشنيعةِ وآرائِهم الركيكةِ وتمهيدٌ لما يعقُبه من بيانِ تكذيبِهم بكلِّ القُرآنِ وبسائرِ الكتبِ والشرائعِ وترتيبُ الوعيدِ على ذلكَ كَما أنَّ ما سبقَ من قولِه تعالَى: {إِنَّ الذين يجادلون فِى ءايات الله} إلخ بيانٌ لا بتناءِ جدالِهم على مَبْنى فاسدٍ لا يكادُ يدخلُ تحتَ الوجودِ هُو الأمنيَّةُ الفارغةُ فلا تكريَر فيهِ أي انظُرْ إلى هؤلاءِ المكابرينَ المُجادلينَ في آياتِه تعالَى الواضحةِ الموجبةِ للإيمانِ بها الزاجرةِ عن الجدالِ فيها كيفَ يُصرفونَ عنها معَ تعاضدِ الدَّواعِي إلى الإقبالِ عليها وانتفاءِ الصوارفِ عنها بالكُلِّيةِ. وقولُه تعالَى: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} أيْ بكُلِّ القُرآنِ أو بجنسِ الكُتبِ السماويةِ فإنَّ تكذيبَهُ تكذيبٌ لهَا في محلِّ الجرِّ على أنَّه بدلٌ من الموصولِ الأولِ أو في حيزِ النصبِ أو الرفعِ على الذمِّ، وإنما وُصلَ الموصولُ الثَّانِي بالتكذيبِ دُونَ المُجادلةِ لأنَّ المعتادَ وقوعَ المُجادلةِ في بعض الموادِ لا في الكُلِّ. وصيغةُ الماضِي للدِلالة على التحقق كما أنَّ صيغةَ المضارعِ في الصلةِ الأُولى للدلالةِ على تجددِ المجادلةِ وتكررِها {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من سائرِ الكتبِ أو مطلقِ الوَحي والشرائعِ {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} كُنْهَ ما فعلُوا من الجدالِ والتكذيبِ عند مشاهدتِهم لعقوباتِه {إِذِ الأغلال فِى أعناقهم} ظرفٌ ليعلمونَ إِذ المَعْنى على الاستقبالِ. ولفظُ الماضِي لتيقنِه {والسلاسل} عطفٌ على الأغلالِ. والجارُّ في نيةِ التأخيرِ وقيل: مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر الأول عليه، وقيل: قوله تعالى: {يُسْحَبُونَ} بحذفِ العائدِ أي يُسحبونَ بَها وهُو على الأولَينِ حالٌ من المُستكنِّ في الظرفِ وقيل: استئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ حالِهم كأنَّه قيلَ فماذَا يكونُ حالُهم بعدَ ذلكَ فقيلَ يُسحبونَ {فِى الحميم} وقرئ: {والسلاسلَ يَسحبون} بالنَّصبِ وَفتحِ الياءِ عَلَى تقديمِ المفعولِ وعطفِ الفعليةِ على الاسميةِ، والسَّلاسلِ بالجرِّ حملاً على المَعْنى لأنَّ قولَه تعالى: {الأغلال فِى أعناقهم} في مَعْنى أعناقُهم في الأغلالِ أو إضماراً للباءِ ويدلُّ عليه القراءةُ بهِ {ثُمَّ فِى النار يُسْجَرُونَ} أي يُحرقونَ مِنْ سجرَ التنورَ إذا ملأَهُ بالوقودِ ومنُه السَّجيرُ للصديقِ كأنَّه سُجِّر بالحبِّ أي مُلىءَ والمرادُ بيانُ أنَّهم يُعذبونَ بأنواعِ العذابِ ويُنقلونَ من بابِ إلى بابٍ {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أي يقالُ لَهمُ ويقولونَ. وصيغةُ المَاضِي للدلالةِ على التحقيقِ ومَعْنى ضلُّوا عنَّا غابُوا عنَّا وذلكَ قبلَ أنْ يُقرنَ بهم آلهتُهم أو ضاعُوا عنَّا فلم نجدْ ما كُنَّا نتوقعُ منُهم. {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً} أي بَلْ تبينَ لنَا أنَّا لم نكُنْ نعبدُ شيئاً بعبادتِهم لما ظهرَ لنا اليومَ أنَّهم لم يكونُوا شيئاً يعتدُّ بهِ كقولِك حسبتُه فلم يكُنْ.
{كذلك} أي مثلَ ذلكَ الضلالِ الفظيعِ {يُضِلُّ الله الكافرين} حيثُ لا يهتدونَ إلى شيءٍ ينفُعهم في الآخرةِ أو كما ضلَّ عنُهم آلهتُهم يُضلّهم عن آلهتِهم حتَّى لو تطالبُوا لم يتصادفُوا.


{ذلكم} الإضلالُ {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأرض} أي تبطَرون وتتكبرون {بِغَيْرِ الحق} وهُو الشركُ والطغيانُ {وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تتوسعونَ في البطر والأشَر. والالتفاتُ للمبالغة في التوبيخِ.
{ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} أي أبوابَها السبعةَ المقسومةَ لكُم {خالدين فِيهَا} مقدراً خلودُكم فيها {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} أي عن الحقِّ جهنمُ والتعبيرُ عن مدخلِهم بالمَثْوى لكونِ دخولِهم بطريقِ الخلودِ {فاصبر} إلى أنْ يُلاقُوا ما أُعدَّ لهمُ من العذابِ {إِنَّ وَعْدَ الله} بتعذيبِهم {حَقّ} كائنٌ لا محالَة {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} أي فإنْ نُرِكَ ومَا مزيدةٌ لتأكيدِ الشرطيةِ ولذلكَ لحقتِ النونُ الفعلَ ولا تلحقُه مع إنْ وحدَها {بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ} وهو القتلُ والأسرُ {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبلَ ذلكَ {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يومَ القيامةِ فنجازِيهم بأعمالِهم وهُو جوابُ نتوفينكَ وجوابُ نرينك محذوفٌ مثلُ فذاكَ ويجوزُ أن يكونَ جواباً لهما بَمعْنى إنْ نُعذبهم في حياتِك أو لم نُعذبْهم فإنَّا نعذبهم في الآخرةِ أشدَّ العذابِ وأفظَعه كما ينبىءُ عنْهُ الاقتصارُ على ذكِر الرجوعِ في هذا المعرضِ.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} إذْ قيلَ عددُ الأنبياءِ عليهم السلام مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً، والمذكورُ قصصُهم أفرادٌ معدودةٌ وقيلَ أربعةُ آلافً من بني إسرائيلَ وأربعةُ آلافٍ من سائرٍ النَّاسِ. {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} أي وما صحَّ وما استقامَ لرسولٍ منُهم {أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإنَّ المعجزاتِ على تشعب فنونِها عطايَا من الله تعالَى قسمها بينُهم حسبَما اقتضتْهُ مشيئتُه المبنيةُ على الحكمِ البالغةِ كسائرِ القَسْمِ ليسَ لهم اختيارٌ في إيثارِ بعضِها والاستبدادِ بإتيانِ المقترحِ منَها {فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله} بالعذابِ في الدُّنيا والآخرةِ {قُضِىَ بالحق} بإنجاءِ المُحقِّ وإثابتِه وإهلاكِ المُبطلِ وتعذيبِه {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أي وقتَ مجيءِ أمرِ الله، اسمُ مكانٍ استعيرَ للزمانِ {المبطلون} أي المتمسكونَ بالباطلِ على الإطلاقِ فيدخلُ فيهم المعاندونَ المقترحونَ دخولاً أولياً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8